الحرب لا تترك شيئا يخرج منها بسلام.. البشر ،
الشجر، الحجر ، الأرصفة ..حتى قطط الشوارع لا تعود هي نفسها .. كل شئ قد يتحول لكومة رماد .. لوقود سافر ، إلى موضوع في لوحة أو أغنية أو قصيدة ثورية !
بعد ثلاث سنوات، الحرب مازالت تقرع بابي ، تتسلل من النافذة ، عقب الباب .. ستائر
غرفتي ، من الحيطان ، من الشوارع الرخوة التي تمد ألستنها كأنها دروب من الجحيم .. من عينيّ الطبيب الذي كتب لي بعض المهدئات ومضادات القلق وقال أنني سأكون بخير، عينيه اللتين كانتا غائرتين تماما .. بلا نظرة ، كانتا حجرين ،
كأنني أرى أمامي على بطاقة بريدية رخيصة مصفوفة بإهمال في شارع سان ميشيل في باريس - عيني سيدة فلاحة أو برجوازية رقطاء
ترتدي مشد فستان ضيق عند الخصر .. ليس في العينين شئ سوى الفراغ الكبير الذي ينتهكه
تجاهل المارة ، وتحديق السواح الأغبياء ..
سأكون بخير ، كتب الوصفة بشكل آلى .. وقال أنني سأجد الدواء في صيدلة العيادة التي تصرف الدواء مجانا وأن أعود إليه بعد شهرين وأن أبتعد عن كل ما يسبب التوتر .. لسبب ما أعتقدت أنه ربما يعاني
من التوحد مع السمكة التي تسبح بملل في حوض زجاجي خلف مكتبه .. لهما نفس العين
المحدقة بفزع وكأنها تطل على المجهول .. تمنى لي بقية نهار سعيد ، وأنني حتما
سأكون بخير ، فقط عليّ أن أثق أن الدواء سيأتي بنتجية أن أردت أنا ذلك .. كان
يردد كلامه بسرعة خالية من أي انفعال بينما
عينيّ كانتا معلقتين في عينيّ السمكة ومريض آخر يشق طريقه إلى الداخل .
سيكون بخير.. هكذا قالت السمكة.