الأربعاء، 9 أبريل 2014

مؤخرة صدّام ..


كان الوقت عصرا ودرجة الحرارة مرتفعة بالنسبة لشهر إبريل ، ولكنها بغداد .. دائما وكأنها مدينة تغلى على  فحم أرجيلة لباشا عثماني..كان حسين كاظم يتابع مشهد اسقاط تمثال صدام وقد خرج من بيته في شارع مقابل لساحة الفردوس حيث يقع التمثال .. كان يتابع بشئ من الذهول والصدمة وهو ينفث سيجارته  ويشاهد التمثال يتهاوى وعشرات العراقيين يرقصون حوله بشكل هستيري ..أحدهم يضربه بحذاءه والآخر يبصق دون هوادة حتى خرجت احشاءه .. ولكن قبل أن يسقط كان أحد الجنود الأمريكان قد رفع العلم الأمريكي وغطى به وجه صدام حسين وكأنه يقول ، خذ في مؤخرتك * البرونزية .. لقد انتصرنا. 

كان حسين يريد أن يفرح وهو يتذكر ابن عمه الذي أعدمه صدام ف صيف ال 82 بتهمة التآمر والتخابر مع جهات أجنبية ، وجاره الذي شنق في أحد ثورات الطلبة بتهمة توزيع مناشير معادية للبعث ، وشقيق زوجته الذي قتل رميا بالرصاص لأنه رفض تنفيذ أوامر عسكرية بإعدام مجموعة من الجنود اتهموا بإطلاق نكات بذئية حول قضيب صدام .. كان يريد أن يفرح  ولكن شيئا ما كان يمنعه من ذلك .. شئ لم تلتقطه الكاميرات ولا وكالات الأنباء العالمية  ولا السي ان ان ومحلليلها حين صرخ أحدهم قائلا we've got him بنشوة مراهق يستمنى للمرة الأولى .

حسين كان رجلا بسيطا ، لم يكن يريد الديمقراطية التي وعد بها جورج بوش العراقيين حين فشل في اثبات أن صدام يمتلك سلاحا نوويا قادر على اختراق حمام البيت الأبيض بينما السيدة الأولى تقضي حاجتها، لقد أراد فقط أن لا تباع مؤخرة بلده في يوم ما .. في مزاد علني!

***

* قبل عدة أعوام قامت السفارة العراقية في لندن برفع قضية على الجندي البريطاني Nigel Ely الذي احتفظ بقطعة من مؤخرة التمثال البرونزي لصدام وقرر بيعها في مزاد علني بربع مليون جنيه استرليني ولكنه أوقف بتهمة المتاجرة بإرث ثقافي .

الجمعة، 4 أبريل 2014

شامية يحاكم الإله ..

قرأت حول محاكمة النازيين بعد هزيمتهم  في الحرب العالمية الثانية وكيف زفوا إلى المشنقة واحدا تلوا الآخر وهم يصرخون "المجد لألمانيا والموت لرعاة البقر" بصدق بالغ  .. كان غوستاف*  لايدرك وهو يحاكم على جريمة نشر أخبار كاذبة لصالح ألمانيا معنى قيمة المجد خارج نطاق النازية وهتلر.. هل كان هتلر مخطئا لأنه أراد أن يقول وبإندفاع مبالغ فيه قليلا أن ألمانيا لن تهزم مرة أخرى بعد أن هزمت في الحرب العالمية الأولى؟ .. يقول القاضي ولكن ذلك أفضى إلى موت ما يقارب عن 60 مليون إنسان .. هل تدرك معنى ذلك ، يقول غوستاف نعم ولكنني اتسأل هل كانت حربا من طرف واحد ؟ ألم يكن هناك طرف اخر يضرب بكل ما يملك من وحشية لتحجيم طموح هتلر ؟ الحرب يمكن تبريرها بسهولة والقتل كذلك .. حرق اليهود والمثليين والمعاقين والشواذ وإلقاء القنابل من علو شاهق فوق رؤس العجائز والعاهرات والأطفال والكلاب الجرباء يمكن جعله مقبولا بل وإنساانيا .. هذا سهل جدا ، لقد كان هتلر مخلصا لألمانيا مثلما أخلصت لها ومازالت ، ولا أفهم كيف يحاكم المرء على إخلاصه! حكم عليه بالإعدام وكان آخر ما قال حين جُر إلى المشنقة وقدميه ترتجفان..الإخلاص فكرة ليست منطقية ولكنها مقنعة..الحرب فكرة رجل طموح ووينفذها رجال متحمسون ..القتل وسيلة لا غاية، جسر يجب أن يعبر عليه الإنسان بكل ثقله شرط أن يترك انسانيته عند الطرف الآخ ..وزهقت روحه بسرعة بالغة وبحماس منقطع النظير من قبل مخلص أخر لفكرة أخرى ووطن آخر و جحيم أخر لذيذ وغير مرئي.

هكذا فكرت في هذا الهراء الثوري المتفشي هذه الأيام عن محاكمات أنصار النظام السابق بحجة ارساء العدالة  .. العدالة فكرة هلامية وساذجة وغير إنسانية ولا يمكن أن تتحقق ابدا ، لإن تحقيقها لفئة ما يعني أن هناك فئة أخرى سيظلمها هذا العدل.. الإنسان بطبيعته لا يمكن أن يكون عادلا لإنه ينتقم بتشفي بإسم العدالة ، والإنتقام ليس عدلا مهما كان مبررا ومقبولا .. قتل القذافي بهذه الطريقة الوحشية كان انتقاما عادلا ولم يقربنا خطوة واحدة نحو العدالة  .. وأفكر فيما حققته عدالة قتل معمر لطفل تاورغي مازال مهجرا .. فهي حتما لم توفر له فراشا دافئا ولا ماءا نظيفا حتى وإن تم قتله وسحله واغتصابه وادخال عصا مدببة في مؤخرته مئة  مرة  ! شامية *حين أعلن  أنه يريد تنحية بوتيله العسكري ليرتاح  بعد أن فقد كل أمل له في النجاة  .. كان نيتشه قبله بمئتي عام قد أعلن موت الإله .. كان يريد أن يقول أن فكرة العدالة السماوية التي يسعى الإنسان وبشكل محموم لتطبيقها على الأرض مجرد وهم محض. لم يدرك نيتشه أن الإنسان الذي صنع الله من خوفه قد مات أيضا منذ أن ألقيت وبشكل متعمد ومتقن ومدروس  .. أول قنبلة من السماء ، فقط لتقتل بشكل جماعي ولتنشر أكبر كمية من الرعب ، بضربة واحدة.!


* غوستاف شخصية خيالية ولكن هذا لا يعني أنها لم توجد قط خارج خيال الكاتبة.
* شامية شخصية مفرطة في واقعيتها لدرجة أنني تمنيت لو أنه كان مجرد حلم مزعج !